من ذاكرة الأسر (26): الأسير عثمان مصلح أبو الناجي../ راسم عبيدات

من ذاكرة الأسر (26): الأسير عثمان مصلح أبو الناجي../ راسم عبيدات
..... المناضل عثمان مصلح، أبو الناجي، علم من أعلام الحركة الأسيرة الفلسطينية، وأحد رموزها، بل ومن القيادات التي تؤرخ لتاريخ الحركة الأسيرة في محطاتها الأساسية. فهو من عمدائها العشرة الأوائل الذين أمضوا أكثر من ربع قرن في الأسر. ومعتقل منذ 15/10/1982.

وأبو الناجي تعرفه سجون الاحتلال من أقصى شمال فلسطين والى أقصى جنوبها، ويعرفها جيداً. وكذلك حال إدارات السجون والمسؤولين عنها. فهم يعرفون أبو الناجي جيداً،حيث كان في الكثير من سنوات حياته الاعتقالية ممثلاً للحركة الأسيرة الفلسطينية في السجون التي تواجد فيها. ومرت عليه مئات الأفواج، إن لم يكن الآلاف من الأسرى، وهو يعرف الكثير منهم بتفاصيلهم الشخصية، وكثيرون منهم قد تحرروا من الأسر، وكونوا أسار وزوجوا أبناءهم وبناتهم، وأبو الناجي مازال متمترساً خلف جدران المعتقلات، يحافظ على روحه المرحة وهدوء أعصابه، ويحظى بثقة واحترام أخوته ورفاقه الأسرى..

وعلى يديه تتلمذ وتربى الآلاف من أبناء الحركة الأسيرة، وأضحوا جزءا من تلاميذه قادة في العمل الحزبي والتنظيمي والسياسي، ليس على مستوى الحركة الأسيرة فقط، بل وعلى مستوى الوطن.

وأبو الناجي يروي لك التفاصيل الدقيقة عن حياة الأسر وظروفها، بمحطاتها المختلفة والمعارك النضالية التي خاضتها مع إدارات السجون، من أجل تحسين شروط وظروف حياتها الاعتقالية ودفاعاً عن حقوقها ومكتسباتها ومنجزاتها، ومتى حصلت الحركة الأسيرة على هذا الانجاز أو ذاك، وما هو الثمن الذي دفعته في سبيل ذلك، بالإضافة إلى أسماء شهداء الحركة الأسيرة وتواريخ استشهادهم، كل ذلك شرحاً وتوضيحاً وتعميقاً للوعي عند المعتقلين الجدد، والذين غدا الكثيرون منهم إما غير مكترث أو يستهتر أو يقلل من قيمة هذه الأشياء المنجزة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر ترى الأسرى الجدد لا يميلون إلى تسلم "معاطف" شتوية من إدارة السجون، أو حتى حرامات وشراشف وأغطية للمخدات وغيرها، هذه الأشياء التي دفعت الحركة الأسيرة في سبيلها الكثير من التضحيات والدماء. وترى هناك من لا يهتم لوجودها أو قيمتها، ولا يقدر الثمن الذي دفع في سبيل الحصول عليها، ويسهل عليه التضحية بها.

وأبو الناجي بحكم تجاربه وخبرته في مختلف القضايا الاعتقالية الوطنية والتنظيمية والسياسية، والعلاقة مع إدارات السجون وضباط استخباراتها بحكم موقعه في الحركة الأسيرة، أضحى أحد المرجعيات الأساسية للأسرى في هذه الجوانب والقضايا، ويدعم حديثه ووجهة نظره للأسرى الجدد بالمعطيات والوقائع من خبرته وتجاربه هو وأخوته ورفاقه من الأسرى القدماء. ويشرح لهم متى حققت الحركة الأسيرة إنجازات، ومتى أخفقت، ولماذا كان الانجاز أو الإخفاق؟ وما هي الظروف التي أحاطت بذلك من زاوية المساعدة في الانجاز أو السبب في الإخفاق؟ وتراه دائماً يحرص ويشدد على وحدة الحركة الأسيرة، كأحد صمامات الأمان في المحافظة على منجزات ومكتسبات وحقوق هذه الحركة.

وأبو الناجي لا يخفي حالة الانكسار والتراجع التي أصابت الحركة الأسيرة الفلسطينية بعد مرحلة أوسلو وما شعر به الأسرى من إحباط ويأس وخذلان، نتيجة للتخلي عنهم وتركهم تحت رحمة الشروط والإملاءات والتصنيفات والتقسيمات الإسرائيلية، وبالذات أسرى ما قبل مرحلة أوسلو، أو ما اصطلح على تسميته بالأسرى القدامى، هؤلاء الأسرى ورغم زلزال أوسلو فإنهم ظلوا متماسكين وأمناء للقيم والمبادئ والأفكار التي آمنوا بها، وللقضية التي من أجلها دفعوا هذا الثمن الغالي على المستوى الشخصي والعائلي والأسري، ولم يخذلوا جموع الأسرى الذين أخذوا يتوافدون على المعتقلات والسجون بالآلاف ما بعد الانتفاضة الثانية، فكانوا لهم الحاضنين والمربين والمعلمين في مختلف الجوانب الاعتقالية والتنظيمية والحزبية والثقافية والأمنية والسياسية وغيرها.

والكم الهائل الذي وفد على السجون من الأسرى بعد الانتفاضة الثانية دب الحياة من جديد في أوصال الحركة الأسيرة في مختلف جوانب العمل التنظيمية والوطنية والاعتقالية والسياسية، بعدما تعرضت لضربة قاصمة بسبب أوسلو وتداعياته على الحركة الأسيرة ومنظماتها الاعتقالية.

وحين تعرفت على أبو الناجي في سجن عسقلان أعوام 2001 و2005 و2006، كانت مآخذ الأسرى الجدد على الأسرى القدماء، بأن طول فترة الأسر فعلت فعلها بهم وأصبحوا "ليبراليين" تجاه حقوق ومطالب الأسرى، وأبو الناجي من قيادة الحركة الأسيرة الذين كان يأخذ عليهم هذا المأخذ، والقول للأسرى الجدد، أبو الناجي يتشدد مع إدارة السجون في القضايا التي لها علاقة بالأكل ونوعيته، وأبو الناجي والذي كانت معنوياته في أوجها بعد عمليتي الوهم المتبدد والوعد الصادق، تحول إلى خبير ومختص في الشؤون المتعلقة بالتبادل، فتراه هو والكثير من الأسرى القدماء يعقدون حلقات نقاش ومتابعة كل شاردة وواردة فيما يتعلق بهذا الملف، ولا يفوتهم أي خبر له علاقة بذلك من أي وسيلة إعلام كانت، ومن يدلي بدلوه من المعتقلين الجدد في هذا الملف، ويقول بأن مسألة التبادل قد تطول، أو ربما تشمل المعتقلين الجدد أو لا تشمل القدامى، يتعرض لهجوم وانتقاد حاد من خبراء المعتقلات لأسرى القدامى،والذين أصبحوا على قناعة وثقة تامتين بأن مسألة تحررهم من الأسر، هي مسألة وقت ليس إلا، وأصبحوا يتحدثون ويخططون لما ستكون عليه حياتهم في الخارج والأماكن التي سيزورونها، ونوع الأكلات التي يرغبون بها وحرمهم المعتقل منها، وكيف سيواجهون جموع الجماهير التي ستأتي لاستقبالهم والاحتفال بهم، والكثير الكثير من التفاصيل التي خططوا لها ما بعد التحرر من الأسر.

وأذكر جيداً أنني كنت عائدا من سفرية "بوسطة" من سجن بئر السبع، بعد أسر الجنود الإسرائيليين من قبل حماس وحزب الله، وسألوني عن الأخبار ومن قابلت من الأسرى، فقلت لهم قابلت الكثير ومن ضمنهم "أبو القسام" مروان البرغوثي وحسب معلوماته أن الصفقة ستشمل أسرى جددا وعددا محدودا جداً من الأسرى القدامى. وهنا ثارت ثائرتهم وصبوا جام غضبهم علي. وألح الرفيق سعدات علي أن لا أتلاعب بأعصابهم وأخبرهم الحقيقة، حيث في الدقائق الأخيرة من "الفورة" الثانية، أخبرتهم بالحقيقة وعدم مقابلتي لمروان وحديثه بهذه المعلومات.

والشيء المهم جداً هنا وعلى ضوء المستجدات الأخيرة والمتعلقة بصفقات التبادل، ما بين إسرائيل وحزب الله وحماس، والتي تمر في مراحلها الأخيرة، أن لا يتم خذلان هؤلاء الأسرى والذين بنو وعلقوا الكثير الكثير من الآمال على تحررهم من الأسر من خلال صفقات التبادل تلك، والتي ربما اعتبروها فرصتهم الأخيرة للتحرر من الأسر بعزة وكرامة، وأي خذلان لهم سيكون له نتائج كارثية ليس عليهم، بل وعلى أهلهم وذويهم، والذين طال انتظارهم، وراهنوا أن تضع صفقات التبادل تلك حداً لمعاناتهم، والتي نلحظ من ما يتوارد من معلومات، بأن صفقة التبادل مع حزب الله لن تشملهم على الأرجح، وبالتالي يجب الإصرار على أن يكونوا جزءا من صفقة التبادل ما بين حماس وإسرائيل، ولكي لا يتحولوا من شهداء من وقف التنفيذ إلى شهداء فعليين، بحكم قصورنا في هذا الجانب، سلطة وفصائل، وعجزنا عن تحريرهم.

التعليقات